ولكي يتسنى للأسرة القيام بوظائفها وتأدية دورها كمؤسسة اجتماعية، لا بد وأن تتوافر لها مجموعة من المقومات الأساسية التي لا غنى لها عنها. ويعتمد نجاح الأسرة أو فشلها في تحقيق التوافق الاجتماعي اعتماداً كلياً على مدى تكامل هذه المقومات وترابطها.
أولاً: المقومات الاقتصادية:
حاول الكثير من رجال الاقتصاد وعلماء الاجتماع الاستعانة بدراسات متعددة للتأكيد على أن الأسباب الرئيسة والأولية للانحرافات الاجتماعية تنبع من العوامل والقوى الاقتصادية في المجتمع. ومن خلال هذه الدراسات تم الإجماع على أن معظم المجتمعات الحديثة تقوم حول أيدلوجية اقتصادية أساسية وأن تفسير المشكلات الاجتماعية يرتبط ارتباطاً وثيقاً بفشل النظم التكنولوجية والاقتصادية في القيام بوظائفها، والعجز عن ضبط النشاط الاقتصادي وتوفير السلع والخدمات الكافية لكل فرد من أفراد المجتمع.
لقد ظهرت مجموعة من التفسيرات الاقتصادية المطلقة للجناح والجريمة وإدمان المخدرات والخمور والإصابة بالأمراض العقلية والنفسية... وغيرها من المشكلات الاجتماعية. وقد أسهمت هذه الدراسات بنتائج إيجابية أكدت على أنه (إذا تم التخلص من البطالة وإزالة الفقر والسيطرة على التقدم الآلي بصورة ملائمة وتوفير المسكن الصحي لكل أسرة فسوف تدخل الإنسانية في العصر الاجتماعي السعيد الذي يخلو فيه المجتمع من كل المشكلات الاجتماعية) (حسن: 1981).
الفقر والانحراف الاجتماعي:
مما لا شك فيه، أن للفقر باعتباره الحالة التي لا يكفي فيها دخل الأسرة لإشباع حاجاتها الأساسية المتغيرة للمحافظة على بنائها المادي والنفسي والاجتماعي، آثاراً سلبية خطيرة على الجوانب الصحية والثقافية من حيث نوع الثقافة السائدة في حياة الأسرة ومدى توفر فرص التعليم... إلخ.
والفقر قبل كل شيء هو الذي يحرم الاسرة من المشاركة الاجتماعية في جميع المجالات الحياتية ـ سياسية، اقتصادية أو اجتماعية.
إن تأثير الفقر ليس منفصلاً عن بقية العوامل النفسية والاجتماعية إذ أنه يؤثر ويتأثر بمستوى الطموح لدى الأسرة وبالوضع الطبقي والثقافة السائدة في المجتمع (الجمعية الكوينية لتقدم الطفولة العربية: 86 ـ 1987).كما يؤثر تأثيراً ملحوظاً في عملية الاتزان النفسي وفي علاقة الفرد بالأسرة والبيئة المحيطة.
لقد أثبتت مجموعة من الدراسات أن الفقر أحد الأسباب الرئيسة لجميع أنواع الانحرافات الاجتماعية كانحراف الأحداث والاتجاه نحو السرقة والإجرام والانحرافات الجنسية بمختلف أشكالها وأنواعها وإدمان الخمور والمخدرات، وما إلى ذلك من أنماط الانحرافات. وأن الفقر يؤثر بصورة ظاهرية على الفرد مما يجعل بعض المجتمعات لا تكترث لحالة هذا الفرد، إلا أنه في حقيقته يحمل بالغ الأثر على المجتمع والبيئة المحيطة به.
المسكن والانحراف الاجتماعي:
يعتبر علماء الاجتماع المسكن السيئ سبباً من اسباب الانحراف الاجتماعي إلا أن الغالبية العظمى يعتبرونه من أهم أسباب السلوك المنحرف.
لقد تبين من خلال الدراسة والملاحظة أن المساكن الرديئة عامل هام وفعّال في كل مظاهر الانحرافات الاجتماعية، وبالأخص انحراف الأحداث. وقد بيّنت هذه الدراسات العلاقة بين المسكن والجناح في التالي:
1 ـ تزداد نسبة الانحرافات في المناطق المختلفة التي تنقصها المرافق المادية، وحيث يكثر التجمع السكاني وترتفع درجة التزاحم إلى جانب انتشار حلقات المقامرة والحانات وبيوت الدعارة... وما إلى ذلك.
2 ـ نتيجة للازدحام الشديد في الأسرة يشترك صغار الأولاد والبنات في نفس المكان مع الكبار، وأحياناً مع غير أعضاء الأسرة، وكذلك قد يشترك المراهقون من الجنسين في نفس الغرفة مما يحرك غرائز الجنسين فيدفعهم ـ تبعاً للوازع النفسي والديني ـ إما للكبت وبالتالي اعتلال الشخصية أو للانخراط في خط الانحرافات الجنسية وغيرها.
3 ـ المسكن الضيق أو المشترك يدفع بالطفل إلى الهروب من المنزل كلما سنحت الفرصة والتجمع في الشارع كنتيجة لما يشعر به من توترات وضغوط، مما يدفعه للالتقاء مع غيره من الأحداث وتكوين العصابات ومزاولة أنماط السلوك المنحرف بشتى أشكالها بغية تحقيق الهروب النفسي من الواقع المؤلم الذي يعيشه هذا الطفل.
ميزانية الأسرة:
تتمثل ميزانية الأسرة في أبسط صورها في قيام الأسرة بتقدير الدخل الذي تحصل عليه ومحاولة توزيعه بين أوجه الإنفاق أو بين السلع والخدمات التي يتضمنها الاستهلاك بصورة تحقق أقصى منفعة ممكنة وبأقل نفقة ممكنة.
ولكن الأسرة كثيرا ما تقع في مشكلات مادية لا ترجع إلى عدم كفاية الدخل أو عدم تناسبه مع مطالب الأسرة بل إلى أن الأسرة تعمد إلى زيادة نفقاتها فوق حدود مواردها وتتحدى قلة الدخل النسبي بأساليب سلبية كالاقتراض مثلاً بدلاً من الإنفاق في حدود الدخل أو العمل على زيادة انتاجها واستغلال الطاقات المعطلة فيها ـ ويستثنى من ذلك الفئات العاجزة عن تدبير الحد الأدنى الضروري للمعيشة.
وعندما تفشل الأسرة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي يؤدي بها الموقف إلى نوع من الصراع يقوم بين أعضائها من جانب وبين البيئة الخارجية من جانب آخر. وهذا الصراع يولد أربعة أنواع من التصرفات هي على التوالي:
1 ـ العدوان: وهو في جوهره يعبر عن حاجة الأسرة إلى القيام بفعل معين في ظروف غير ملائمة. ويستهدف هذا السلوك مقاومة هذه الظروف وتجنبها أو محاولة قهرها والتغلب عليها. ومن مظاهر وجود الاتجاهات العدوانية في الأسرة، ازدياد الشجار والخلافات بين أفرادها أو النقد المتطـرف لـرب الاســرة، أو ازدياد الاحتكاك بين الأسرة وجيرانها، أو ترديد الشـكوى المستـمرة... إلخ.
2 ـ النكوص: وهو اللجوء إلى حل المشكلات بطرق سلبية تزيد من إغراق الأسرة في المشاكل طويلة الأمد. ومن أهم مظاهر هذا السلوك الاعتماد على الاقتراض والإسراف في المطالب دون تقدير لموارد الدخل، أو الاعتماد على الأقارب والجيران والشعور بالغيرة الشديدة والحسد للأسر التي تتمتع ببعض المزايا الاقتصادية... إلخ.
3 ـ الجمود: وهو استمرار الأسرة في اتباع نوع معين من التصرفات وأسلوب المعيشة وعدم القدرة على إيجاد حلول إيجابية للمشكلة. وفي الوقت نفسه عدم التخلي عن العادات والتقاليد التي تدعو إلى الإسراف والاهتمام ببعض المظاهر الاجتماعية لتقليد الآخرين.
4 ـ القنوط: وهو الإحساس الذي يراود أفراد الأسرة بعد مرور فترة من الزمن على المشكلات الاقتصادية دون حل أو تحسين. ويتحول هذا الإحساس تدريجياً إلى حالة من الكراهية تنصب على الأسرة ذاتها وتزعزع ثقة الأسرة بنفسها فتنتهي إلى الانطواء أو في بعض الأحيان إلى التفكك الأسري.
الأزمات الاقتصادية والأسرة:
من بين الدراسات التي أجريت في هذا المجال دراسة الدكتورة سامية الخشاب التي تناولت أثر تدهور الدخل بصورة فادحة خلال فترات الكساد أو في حالة البطالة على العلاقات الأسرية. وقد تبين أن قدرة الأسرة على القيام بالتوافق الضروري دون حدوث أضرار للعلاقات الشخصية المتبادلة يتوقف على درجة ارتباط أعضاء الأسرة بمستوى معين للمعيشة. فاذا تأثرت بعض المستويات المادية التي تعتبرها الأسرة ذات أهمية في حياتها، كانت النتيجة تدهور العلاقات الأسرية وتفكك الروابط التي تربط أعضاء الأسرة ببعضهم البعض.
ثانياً: المقومات الصحية:
سبق وأن ذكرنا أن الأسرة تعتبر الأداة الطبيعية التي تحقق إنجاب النسل واستمرار حياة المجتمع، وهي الوسيلة التي تنتقل من خلالها الخصائص الوراثية من جيل لآخر ولا جدال في أن سلامة الأبوين الصحية تؤدي إلى نسل سليم.
وحتى تتحقق سلامة النسل فإنه لا بد من تنظيمه بحيث تكون عملية الإنجاب على فترات متباعدة تضمن كون الأم في حالة صحية ونفسية ملائمة لاستقبال الطفل الجديد، ومن جهة أخرى تضمن قدرة الأسرة على إشباع حاجات الطفل المختلفة.
ومن المُسَلَّم به أن الشخص عندما يتعرض للمرض ـ وهو الحالة التي يعجز فيها الفرد عن القيام ببعض أو كل النشاطات والوظائف التي يباشرها الأسوياء، أو ترتبط عند القيام بها بالألم أو الضيق ـ فإن العلة لا تنزل في جانب من الشخص، بل تشمله بأكمله أي أنها تؤثر في مجرى الحياة الأسرية تأثيراً بالغاً من جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية والنفسية... إلخ.
فعندما يتعرض أحد أفراد الأسرة للمرض.. فإن حالته تؤثر في كافة أعضاء الأسرة دون تمييز أو استثناء، وبالتالي يضطرب نظام الحياة اليومية للأسرة، كما يفرض المرض على عاتق الأعضاء الأصحاء أعباءاً ومسؤوليات إضافية.
ثالثاً: المقومات الاجتماعية:
إن الحياة الأسرية تقوم على التكيف المتبادل بين الأدوار الزوجية من ناحية الإشباعات الجنسية والعواطف الودية والصداقة والديمقراطية أو المشاركة في السلطة وتقسيم العمل.
وعندما يتحول الزوجان نحو الأبوة، تبدأ المسؤوليات المشتركة تجاه الابناء، وتسمو كل العلاقات التي كانت قائمة من قبل في علاقة الزوجين.
فالأسرة توصف في بعض الأحيان بأنها (كائن عضوي)، وهذا المعنى يحمل للوهلة الأولى المعنى البيولوجي للأسرة. كما تنسب هذه العبارة للأسرة خصائص عملية الحياة والوحدة الوظيفية، وهذا يعني كذلك أن للأسرة تاريخاً طبيعياً لحياتها الخاصة يبدأ بعملية الإخصاب والتوالد والنمو والنضج والقدرة على التوافق أو التكيف، ثم الانحلال التدريجي وأخيراً ذوبان الأسرة في القالب الجديد.
اضطراب وظائف الأمومة:
تعتبر الأم الشخص الأول في حياة الطفل، وكلما كان الطفل صغيراً طالت فترة الاعتماد الإجباري على رعاية الأم.
فعلاقة الأم بالطفل هي علاقة متبادلة يؤثر فيها سلوك الأم في الطفل كما يؤثر سلوك الطفل في الأم. وفي بعض مواقف الأسرة قد تجد الأم سروراً كبيراً تشتقه من وجودها إلى جانب الطفل وتبدي استعداداً لحبه، كما أنها في مواقف أخرى قد تعبر عن رفضها للطفل بشتى الوسائل.
ومن المظاهر المألوفة في بعض الأسر ما نلاحظه من انعكاس الأدوار بين الجنسين فتقوم المرأة باتخاذ القرارات والسيطرة بينما يقف الأب موقف التابع حتى يتجنب الجدال أو المشاجرة. كما تقوم الأم أحياناً بدفع الأب وحثه على القيام بكثير من الواجبات التي تعتبر من صميم واجباتها. وهنا يجب ملاحظة أن واجبات الأب والأم مسألة ثقافية متغيرة، وما نود الإشارة إليه هنا هو تبادل الأدوار وليس المشاركة في الواجبات المنزلية والأسرية.
والمجتمع الحديث في اعتقادي يميل إلى الخلط بين وظائف الأبوين لا من ناحية التماثل الجنسي فحسب بل وحتى في جوانب الحياة الاجتماعية والمهنية. فلكي ينطبق على المرأة مفهوم الأمومة ينبغي أن تدرك طبيعتها وأن لا تأخذ صورة مشوّهة عن اختلاف تكوينها الجسمي عن الرجل.
اضطراب وظائف الأبوة: تؤثر مجموعة كبيرة من المؤثرات في تشكيل شخصية الرجل للقيام بدوره كأب.
ولعل من أهم هذه المؤثرات:
1 ـ أثر الثقافة في صقل مفهوم الأبوة لدى الرجل.
2 ـ دوافع الرجل نحو الزواج والإنجاب.
3 ـ علاقة الأب بالطفل.
4 ـ علاقة الأب والأم كزوجين ثم كأبوين.
5 ـ تكامل شخصية الرجل وتفاعله مع أبنائه.
6 ـ استجابات الأب الانفعالية نحو نجاحه أو فشله في القيام بدوره كأب.
وفي حياتنا الحاضرة بعض النماذج من الرجال الذين يتظاهرون بالأبوة المثالية ويعبرون عن اهتمامهم الزائد بالطفل نتيجة رغبتهم الملحة في الظهور بمظهر الآباء الصالحين في أعين الآخرين. وفي اعتقادي أن هذا النوع من الرجال لا يحمل من الأبوة إلا الاسم إذ يفتقد إشباعات الأبوة الإيجابية، فهو لا يهتم بالعلاقات الأبوية مع الطفل بقدر اهتمامه بالحصول على مكانة اجتماعية عالية. وبذلك يتخذ من أطفاله وسيلة لبلوغ الأهداف الشخصية ويستغلهم لتحقيق أغراضه الخاصة دون الالتفات إلى الحاجات النفسية أو الجسمية لهم. وينطبق هذا على بعض النساء أيضاً.
وهناك نوع آخر من الرجال يعبر عما ينتابه من قلق واضطراب بالإقبال على العمل الخارجي للحصول على التقدير والمكانة الاجتماعية أو المهنية فيهمل أطفاله وينظر إلى شؤونهم على أنها أمور من اختصاصات الأم (مطاوع: 1986)، فيكرس حياته لتحقيق النجاح والتقدم في العالم الخارجي، بينما تكرس المرأة كامل وقتها وجهدها لرعاية شؤون الأسرة والبيت. وفي هذا النمط لا تتحقق سوى مساواة ضئيلة ومشاركة عابرة في العلاقات المتبادلة بين الزوجين.
رابعاً: المقومات الدينية:
يؤلف الدين في أي مجتمع بين حقوق الأفراد وواجباتهم، ويربط هذه الالتزامات بالقوة العليا المسيطرة على البشر والتي تستطيع أن توقع العقاب على كل من يتجاوز حدوده ويتعدى على حقوق الآخرين، كما تستطيع أن تثيب المحسن الذي يكبح جماح شهواته ونزواته ويحترم حقوق غيره، فالفرد لا يتمكن من العيش في معزل عن المجتمع.
إن الحياة الاجتماعية لا تستقيم إلا إذا خضعت العلاقات بين الناس إلى قواعد ونظم تحتل مكانة في نفوسهم. وبناءاً على ذلك فقد ظهرت مجموعة من النظريات التي تفسر سبب ظهور الدين ودوافع وجوده في المجتمع. ولا يسعنا هنا أن نذكر هذه النظريات بالتفصيل،
ولكن نظراً لأهميتها فسوف نعرض أهم ما توصلت إليه من نتائج:
1 ـ وجود التوحد الأخلاقي.
2 ـ تمجيد القوى الإنسانية وأعمالها.
3 ـ تفسير الظواهر الكونية.
4 ـ وضع المعايير والقيم الاجتماعية.
5 ـ إكساب النظم والقوانين روح القداسة.
إن الدين أمر بالغ الأهمية في أي مجتمع إنساني. ولقد كانت الأسرة في العصور القديمة وحدة دينية تعتمد على الدين اعتماداً كلياً في تنظيم حياتها، وعن طريق الدين اكتسبت هذه الأسر وحدتها واستقرارها. وبتطور البشرية اكتسب الدين صفة الأخلاقية وأصبحت أخلاقيات الأسرة جزءاً لا يتجزأ من الأخلاقيات الدينية.
ولعل ذلك يظهر بوضوح عند النظر إلى المجتمعات التي لا تقر الأديان السماوية، حيث تلجأ لخلق دين جديد بطقوس معينة كي تكسب قوانينها روح القداسة، فتحتل هذه القوانين موقع التطبيق على أرض الواقع..
أولاً: المقومات الاقتصادية:
حاول الكثير من رجال الاقتصاد وعلماء الاجتماع الاستعانة بدراسات متعددة للتأكيد على أن الأسباب الرئيسة والأولية للانحرافات الاجتماعية تنبع من العوامل والقوى الاقتصادية في المجتمع. ومن خلال هذه الدراسات تم الإجماع على أن معظم المجتمعات الحديثة تقوم حول أيدلوجية اقتصادية أساسية وأن تفسير المشكلات الاجتماعية يرتبط ارتباطاً وثيقاً بفشل النظم التكنولوجية والاقتصادية في القيام بوظائفها، والعجز عن ضبط النشاط الاقتصادي وتوفير السلع والخدمات الكافية لكل فرد من أفراد المجتمع.
لقد ظهرت مجموعة من التفسيرات الاقتصادية المطلقة للجناح والجريمة وإدمان المخدرات والخمور والإصابة بالأمراض العقلية والنفسية... وغيرها من المشكلات الاجتماعية. وقد أسهمت هذه الدراسات بنتائج إيجابية أكدت على أنه (إذا تم التخلص من البطالة وإزالة الفقر والسيطرة على التقدم الآلي بصورة ملائمة وتوفير المسكن الصحي لكل أسرة فسوف تدخل الإنسانية في العصر الاجتماعي السعيد الذي يخلو فيه المجتمع من كل المشكلات الاجتماعية) (حسن: 1981).
الفقر والانحراف الاجتماعي:
مما لا شك فيه، أن للفقر باعتباره الحالة التي لا يكفي فيها دخل الأسرة لإشباع حاجاتها الأساسية المتغيرة للمحافظة على بنائها المادي والنفسي والاجتماعي، آثاراً سلبية خطيرة على الجوانب الصحية والثقافية من حيث نوع الثقافة السائدة في حياة الأسرة ومدى توفر فرص التعليم... إلخ.
والفقر قبل كل شيء هو الذي يحرم الاسرة من المشاركة الاجتماعية في جميع المجالات الحياتية ـ سياسية، اقتصادية أو اجتماعية.
إن تأثير الفقر ليس منفصلاً عن بقية العوامل النفسية والاجتماعية إذ أنه يؤثر ويتأثر بمستوى الطموح لدى الأسرة وبالوضع الطبقي والثقافة السائدة في المجتمع (الجمعية الكوينية لتقدم الطفولة العربية: 86 ـ 1987).كما يؤثر تأثيراً ملحوظاً في عملية الاتزان النفسي وفي علاقة الفرد بالأسرة والبيئة المحيطة.
لقد أثبتت مجموعة من الدراسات أن الفقر أحد الأسباب الرئيسة لجميع أنواع الانحرافات الاجتماعية كانحراف الأحداث والاتجاه نحو السرقة والإجرام والانحرافات الجنسية بمختلف أشكالها وأنواعها وإدمان الخمور والمخدرات، وما إلى ذلك من أنماط الانحرافات. وأن الفقر يؤثر بصورة ظاهرية على الفرد مما يجعل بعض المجتمعات لا تكترث لحالة هذا الفرد، إلا أنه في حقيقته يحمل بالغ الأثر على المجتمع والبيئة المحيطة به.
المسكن والانحراف الاجتماعي:
يعتبر علماء الاجتماع المسكن السيئ سبباً من اسباب الانحراف الاجتماعي إلا أن الغالبية العظمى يعتبرونه من أهم أسباب السلوك المنحرف.
لقد تبين من خلال الدراسة والملاحظة أن المساكن الرديئة عامل هام وفعّال في كل مظاهر الانحرافات الاجتماعية، وبالأخص انحراف الأحداث. وقد بيّنت هذه الدراسات العلاقة بين المسكن والجناح في التالي:
1 ـ تزداد نسبة الانحرافات في المناطق المختلفة التي تنقصها المرافق المادية، وحيث يكثر التجمع السكاني وترتفع درجة التزاحم إلى جانب انتشار حلقات المقامرة والحانات وبيوت الدعارة... وما إلى ذلك.
2 ـ نتيجة للازدحام الشديد في الأسرة يشترك صغار الأولاد والبنات في نفس المكان مع الكبار، وأحياناً مع غير أعضاء الأسرة، وكذلك قد يشترك المراهقون من الجنسين في نفس الغرفة مما يحرك غرائز الجنسين فيدفعهم ـ تبعاً للوازع النفسي والديني ـ إما للكبت وبالتالي اعتلال الشخصية أو للانخراط في خط الانحرافات الجنسية وغيرها.
3 ـ المسكن الضيق أو المشترك يدفع بالطفل إلى الهروب من المنزل كلما سنحت الفرصة والتجمع في الشارع كنتيجة لما يشعر به من توترات وضغوط، مما يدفعه للالتقاء مع غيره من الأحداث وتكوين العصابات ومزاولة أنماط السلوك المنحرف بشتى أشكالها بغية تحقيق الهروب النفسي من الواقع المؤلم الذي يعيشه هذا الطفل.
ميزانية الأسرة:
تتمثل ميزانية الأسرة في أبسط صورها في قيام الأسرة بتقدير الدخل الذي تحصل عليه ومحاولة توزيعه بين أوجه الإنفاق أو بين السلع والخدمات التي يتضمنها الاستهلاك بصورة تحقق أقصى منفعة ممكنة وبأقل نفقة ممكنة.
ولكن الأسرة كثيرا ما تقع في مشكلات مادية لا ترجع إلى عدم كفاية الدخل أو عدم تناسبه مع مطالب الأسرة بل إلى أن الأسرة تعمد إلى زيادة نفقاتها فوق حدود مواردها وتتحدى قلة الدخل النسبي بأساليب سلبية كالاقتراض مثلاً بدلاً من الإنفاق في حدود الدخل أو العمل على زيادة انتاجها واستغلال الطاقات المعطلة فيها ـ ويستثنى من ذلك الفئات العاجزة عن تدبير الحد الأدنى الضروري للمعيشة.
وعندما تفشل الأسرة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي يؤدي بها الموقف إلى نوع من الصراع يقوم بين أعضائها من جانب وبين البيئة الخارجية من جانب آخر. وهذا الصراع يولد أربعة أنواع من التصرفات هي على التوالي:
1 ـ العدوان: وهو في جوهره يعبر عن حاجة الأسرة إلى القيام بفعل معين في ظروف غير ملائمة. ويستهدف هذا السلوك مقاومة هذه الظروف وتجنبها أو محاولة قهرها والتغلب عليها. ومن مظاهر وجود الاتجاهات العدوانية في الأسرة، ازدياد الشجار والخلافات بين أفرادها أو النقد المتطـرف لـرب الاســرة، أو ازدياد الاحتكاك بين الأسرة وجيرانها، أو ترديد الشـكوى المستـمرة... إلخ.
2 ـ النكوص: وهو اللجوء إلى حل المشكلات بطرق سلبية تزيد من إغراق الأسرة في المشاكل طويلة الأمد. ومن أهم مظاهر هذا السلوك الاعتماد على الاقتراض والإسراف في المطالب دون تقدير لموارد الدخل، أو الاعتماد على الأقارب والجيران والشعور بالغيرة الشديدة والحسد للأسر التي تتمتع ببعض المزايا الاقتصادية... إلخ.
3 ـ الجمود: وهو استمرار الأسرة في اتباع نوع معين من التصرفات وأسلوب المعيشة وعدم القدرة على إيجاد حلول إيجابية للمشكلة. وفي الوقت نفسه عدم التخلي عن العادات والتقاليد التي تدعو إلى الإسراف والاهتمام ببعض المظاهر الاجتماعية لتقليد الآخرين.
4 ـ القنوط: وهو الإحساس الذي يراود أفراد الأسرة بعد مرور فترة من الزمن على المشكلات الاقتصادية دون حل أو تحسين. ويتحول هذا الإحساس تدريجياً إلى حالة من الكراهية تنصب على الأسرة ذاتها وتزعزع ثقة الأسرة بنفسها فتنتهي إلى الانطواء أو في بعض الأحيان إلى التفكك الأسري.
الأزمات الاقتصادية والأسرة:
من بين الدراسات التي أجريت في هذا المجال دراسة الدكتورة سامية الخشاب التي تناولت أثر تدهور الدخل بصورة فادحة خلال فترات الكساد أو في حالة البطالة على العلاقات الأسرية. وقد تبين أن قدرة الأسرة على القيام بالتوافق الضروري دون حدوث أضرار للعلاقات الشخصية المتبادلة يتوقف على درجة ارتباط أعضاء الأسرة بمستوى معين للمعيشة. فاذا تأثرت بعض المستويات المادية التي تعتبرها الأسرة ذات أهمية في حياتها، كانت النتيجة تدهور العلاقات الأسرية وتفكك الروابط التي تربط أعضاء الأسرة ببعضهم البعض.
ثانياً: المقومات الصحية:
سبق وأن ذكرنا أن الأسرة تعتبر الأداة الطبيعية التي تحقق إنجاب النسل واستمرار حياة المجتمع، وهي الوسيلة التي تنتقل من خلالها الخصائص الوراثية من جيل لآخر ولا جدال في أن سلامة الأبوين الصحية تؤدي إلى نسل سليم.
وحتى تتحقق سلامة النسل فإنه لا بد من تنظيمه بحيث تكون عملية الإنجاب على فترات متباعدة تضمن كون الأم في حالة صحية ونفسية ملائمة لاستقبال الطفل الجديد، ومن جهة أخرى تضمن قدرة الأسرة على إشباع حاجات الطفل المختلفة.
ومن المُسَلَّم به أن الشخص عندما يتعرض للمرض ـ وهو الحالة التي يعجز فيها الفرد عن القيام ببعض أو كل النشاطات والوظائف التي يباشرها الأسوياء، أو ترتبط عند القيام بها بالألم أو الضيق ـ فإن العلة لا تنزل في جانب من الشخص، بل تشمله بأكمله أي أنها تؤثر في مجرى الحياة الأسرية تأثيراً بالغاً من جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية والنفسية... إلخ.
فعندما يتعرض أحد أفراد الأسرة للمرض.. فإن حالته تؤثر في كافة أعضاء الأسرة دون تمييز أو استثناء، وبالتالي يضطرب نظام الحياة اليومية للأسرة، كما يفرض المرض على عاتق الأعضاء الأصحاء أعباءاً ومسؤوليات إضافية.
ثالثاً: المقومات الاجتماعية:
إن الحياة الأسرية تقوم على التكيف المتبادل بين الأدوار الزوجية من ناحية الإشباعات الجنسية والعواطف الودية والصداقة والديمقراطية أو المشاركة في السلطة وتقسيم العمل.
وعندما يتحول الزوجان نحو الأبوة، تبدأ المسؤوليات المشتركة تجاه الابناء، وتسمو كل العلاقات التي كانت قائمة من قبل في علاقة الزوجين.
فالأسرة توصف في بعض الأحيان بأنها (كائن عضوي)، وهذا المعنى يحمل للوهلة الأولى المعنى البيولوجي للأسرة. كما تنسب هذه العبارة للأسرة خصائص عملية الحياة والوحدة الوظيفية، وهذا يعني كذلك أن للأسرة تاريخاً طبيعياً لحياتها الخاصة يبدأ بعملية الإخصاب والتوالد والنمو والنضج والقدرة على التوافق أو التكيف، ثم الانحلال التدريجي وأخيراً ذوبان الأسرة في القالب الجديد.
اضطراب وظائف الأمومة:
تعتبر الأم الشخص الأول في حياة الطفل، وكلما كان الطفل صغيراً طالت فترة الاعتماد الإجباري على رعاية الأم.
فعلاقة الأم بالطفل هي علاقة متبادلة يؤثر فيها سلوك الأم في الطفل كما يؤثر سلوك الطفل في الأم. وفي بعض مواقف الأسرة قد تجد الأم سروراً كبيراً تشتقه من وجودها إلى جانب الطفل وتبدي استعداداً لحبه، كما أنها في مواقف أخرى قد تعبر عن رفضها للطفل بشتى الوسائل.
ومن المظاهر المألوفة في بعض الأسر ما نلاحظه من انعكاس الأدوار بين الجنسين فتقوم المرأة باتخاذ القرارات والسيطرة بينما يقف الأب موقف التابع حتى يتجنب الجدال أو المشاجرة. كما تقوم الأم أحياناً بدفع الأب وحثه على القيام بكثير من الواجبات التي تعتبر من صميم واجباتها. وهنا يجب ملاحظة أن واجبات الأب والأم مسألة ثقافية متغيرة، وما نود الإشارة إليه هنا هو تبادل الأدوار وليس المشاركة في الواجبات المنزلية والأسرية.
والمجتمع الحديث في اعتقادي يميل إلى الخلط بين وظائف الأبوين لا من ناحية التماثل الجنسي فحسب بل وحتى في جوانب الحياة الاجتماعية والمهنية. فلكي ينطبق على المرأة مفهوم الأمومة ينبغي أن تدرك طبيعتها وأن لا تأخذ صورة مشوّهة عن اختلاف تكوينها الجسمي عن الرجل.
اضطراب وظائف الأبوة: تؤثر مجموعة كبيرة من المؤثرات في تشكيل شخصية الرجل للقيام بدوره كأب.
ولعل من أهم هذه المؤثرات:
1 ـ أثر الثقافة في صقل مفهوم الأبوة لدى الرجل.
2 ـ دوافع الرجل نحو الزواج والإنجاب.
3 ـ علاقة الأب بالطفل.
4 ـ علاقة الأب والأم كزوجين ثم كأبوين.
5 ـ تكامل شخصية الرجل وتفاعله مع أبنائه.
6 ـ استجابات الأب الانفعالية نحو نجاحه أو فشله في القيام بدوره كأب.
وفي حياتنا الحاضرة بعض النماذج من الرجال الذين يتظاهرون بالأبوة المثالية ويعبرون عن اهتمامهم الزائد بالطفل نتيجة رغبتهم الملحة في الظهور بمظهر الآباء الصالحين في أعين الآخرين. وفي اعتقادي أن هذا النوع من الرجال لا يحمل من الأبوة إلا الاسم إذ يفتقد إشباعات الأبوة الإيجابية، فهو لا يهتم بالعلاقات الأبوية مع الطفل بقدر اهتمامه بالحصول على مكانة اجتماعية عالية. وبذلك يتخذ من أطفاله وسيلة لبلوغ الأهداف الشخصية ويستغلهم لتحقيق أغراضه الخاصة دون الالتفات إلى الحاجات النفسية أو الجسمية لهم. وينطبق هذا على بعض النساء أيضاً.
وهناك نوع آخر من الرجال يعبر عما ينتابه من قلق واضطراب بالإقبال على العمل الخارجي للحصول على التقدير والمكانة الاجتماعية أو المهنية فيهمل أطفاله وينظر إلى شؤونهم على أنها أمور من اختصاصات الأم (مطاوع: 1986)، فيكرس حياته لتحقيق النجاح والتقدم في العالم الخارجي، بينما تكرس المرأة كامل وقتها وجهدها لرعاية شؤون الأسرة والبيت. وفي هذا النمط لا تتحقق سوى مساواة ضئيلة ومشاركة عابرة في العلاقات المتبادلة بين الزوجين.
رابعاً: المقومات الدينية:
يؤلف الدين في أي مجتمع بين حقوق الأفراد وواجباتهم، ويربط هذه الالتزامات بالقوة العليا المسيطرة على البشر والتي تستطيع أن توقع العقاب على كل من يتجاوز حدوده ويتعدى على حقوق الآخرين، كما تستطيع أن تثيب المحسن الذي يكبح جماح شهواته ونزواته ويحترم حقوق غيره، فالفرد لا يتمكن من العيش في معزل عن المجتمع.
إن الحياة الاجتماعية لا تستقيم إلا إذا خضعت العلاقات بين الناس إلى قواعد ونظم تحتل مكانة في نفوسهم. وبناءاً على ذلك فقد ظهرت مجموعة من النظريات التي تفسر سبب ظهور الدين ودوافع وجوده في المجتمع. ولا يسعنا هنا أن نذكر هذه النظريات بالتفصيل،
ولكن نظراً لأهميتها فسوف نعرض أهم ما توصلت إليه من نتائج:
1 ـ وجود التوحد الأخلاقي.
2 ـ تمجيد القوى الإنسانية وأعمالها.
3 ـ تفسير الظواهر الكونية.
4 ـ وضع المعايير والقيم الاجتماعية.
5 ـ إكساب النظم والقوانين روح القداسة.
إن الدين أمر بالغ الأهمية في أي مجتمع إنساني. ولقد كانت الأسرة في العصور القديمة وحدة دينية تعتمد على الدين اعتماداً كلياً في تنظيم حياتها، وعن طريق الدين اكتسبت هذه الأسر وحدتها واستقرارها. وبتطور البشرية اكتسب الدين صفة الأخلاقية وأصبحت أخلاقيات الأسرة جزءاً لا يتجزأ من الأخلاقيات الدينية.
ولعل ذلك يظهر بوضوح عند النظر إلى المجتمعات التي لا تقر الأديان السماوية، حيث تلجأ لخلق دين جديد بطقوس معينة كي تكسب قوانينها روح القداسة، فتحتل هذه القوانين موقع التطبيق على أرض الواقع..
لا يوجد حالياً أي تعليق